الاستدلال لتفضيل الأنبياء بتعليم الله آدم الأسماء كلها والجواب عليه
"ومنه قوله تعالى: ((وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا))[البقرة:31] الآيات. قال الآخرون: وهذا دليل على الفضل، لا على التفضيل، وآدم والملائكة لا يعلمون إلا ما علمهم الله"، أي: أن الله فضل آدم على الملائكة بأن علمه الأسماء كلها، ولهذا قال: ((إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ))[البقرة:30] عندما اعترضوا على أمر أظهر الله لهم الحكمة وهي: أنه لما علم آدم الأسماء كلها عرضهم على الملائكة فلم يعلموها؛ لأن الله لم يعلمهم إياها، وعلمها آدم، فآدم في هذه الحال فُضّلَ على الملائكة فهو أفضل، هذا دليل من يقول بتفضيله.
وقال الآخرون: هذا دليل على الفضل لا على التفضيل؛ لأن الملائكة لهم فضل ومزية، وآدم له فضل ومزية من المزايا، وهي: أنه علم ما لم تعلمه الملائكة، ولكن أيضاً بالمقابل فإن الملائكة تعلم ما لم يعلمه آدم.
قال: "وليس الخضر أفضل من موسى" عند المسلمين، أما عند غلاة الصوفية والخارجين والمارقين عن الدين، فإنهم يقولون بخلاف ذلك، قالوا: إن الخضر ولي، وليتهم قالوا: نبي؛ لأن الولي عندهم أفضل من النبي، كما يقول شاعرهم:
مقام النبوة في برزخ فويق الرسول ودون الولي
فعكسوها فجعلوا الولي ثم النبي ثم الرسول.
قال: "وليس الخضر أفضل من موسى، بكونه علم ما لم يعلمه موسى" لأنه عندما قابله قال: أنت يا موسى على علم من الله علمك إياه لا أعلمه، وأنا على علم من الله علمني إياه لا تعلمه، لأنه لا ريب أن التوراة أفضل كتاب كان حينئذ، ولا ريب أن موسى أعلم بالتوراة من الخضر، لكن الخضر أعلم بما أطلعه الله عليه من مستقبل الأمور والمغيبات، وما أدرى موسى أن هذا الغلام إذا كبر سيرهق أبويه طغياناً وكفراً، وما أدرى موسى أن هذه السفينة إذا رآها الملك ووجدها صالحة أخذها غصباً، وإن كانت غير ذلك ردها إلى المساكين، وما أدرى موسى أن تحت هذا الجدار كنزاً، وأنه لرجل صالح، مات وترك ولدين؟! والخضر أيضاً لا يعرف ما في التوراة، وهي كتاب الله العظيم، الذي أنزله، وفصل فيه أحكام كل شيء.
قال: "وقد سافر موسى وفتاه في طلب العلم إلى الخضر" وهذا دليل عظيم كما ذكر العلماء على فضل العلم وطلب العلم، وأنه قد يرحل الفاضل إلى المفضول، فمثلاً الإمام أحمد لا شك في فضله وإمامته، وأنه لم يكن في زمانه من هو أحفظ للسنة منه، ومع ذلك فإنه ذهب إلى عبد الرزاق في اليمن، وهذا في طلب العلم.
قال: "وتزودا لذلك، وطلب موسى منه العلم صريحاً" طلب منه أن يعلمه مما علم رشداً، وأقر له بأنه أعلم منه، قال: :وقال له الخضر: إنك على علم من علم الله...".
وجاء بدليل آخر: "ولا الهدهد أفضل من سليمان، بكونه أحاط بما لم يحط به سليمان علماً" أعطاه الله ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده، وعلم منطق الطير، فقال هذا الطير لموسى: بأسلوب التحدي: ((أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ))[النمل:22] أنت تتوعدني بالمعاقبة لن تستطيع؛ لأنني أتيت بشيء أنت لا تعرفه، ولم يبلغه علمك، فالنتيجة تظهر لنا بأن مع الهدهد علماً، قال: وجدت أمةً عظيمة تشرك بالله ووجدت امرأة تملكهم، وأنت يا رسول الله! تدعو إلى التوحيد ولا تعرف عنهم شيئاً، فلما تبين ذلك لسليمان وأحضر العرش صدق، فكان لدى الهدهد زيادة علم لم يعلمه سليمان، ولا أحد يقول: إن الهدهد أفضل من سليمان، ولكن من باب تنزيل الحجة، فكذلك كون آدم عليه السلام أطلعه الله على الأسماء، فهذا لا يعني أنه أفضل من الملائكة، ولكن ذلك يدل على الفضل لا على التفضيل، وهو كما في قصة موسى والخضر عليهما السلام.